محيط: 4/8/2008
فيما وصف بأنه تدخل سافر في شئون مصر الداخلية، وفي أول رد فعل على الحكم الصادر بحبس رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية الدكتور سعد الدين إبراهيم، اعتبرت السفيرة الأميركية في القاهرة مارجريت سكوبي أن الحكم "مخز ومدعاة للعار".
وقالت سكوبي عقب لقائها المنسق العام للقمة العربية الاقتصادية الدكتورة ميرفت التلاوي في القاهرة أمس: "قرأت الحكم على الدكتور إبراهيم، وهو يدعو إلى العار".
في نفس السياق، طالب مصطفى بكري النائب في البرلمان المصري ورئيس تحرير صحيفة "الاسبوع" المستقلة، بعقد اجتماع طارئ للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب "البرلمان" لمناقشة تصريحات سكوبي.
وأكد بكري إن تصريحات السفيرة الأمريكية لا تمثل تدخلا في الشئون المصرية الداخلية فحسب، ولكنها تمثل إهانة موجهة من سفيرة أجنبية للقضاء المصري.
وقال بكري في بيان عاجل موجه لوزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، وصل نسخة منه لـ "محيط": "لما كان هذا الأمر يتعارض من الأعراف الدبلوماسية ويمثل وقاحة وإساءة للمصريين جميعا، فإنني أطالب وزارة الخارجية المصرية بالرد الفوري على السفيرة الأمريكية بطردها من مصر ومناقشة العلاقات المصرية الأمريكية في ضوء التدخلات الأمريكية السافرة في الشئون الداخلية المصرية.
ورد مصدر دبلوماسي مصري على تصريحات سكوبي، مؤكداً أن وزارة الخارجية تدرس كيفية الرد عليها. وقال لصحيفة "الحياة" اللندنية: "ليس من حق أي سفير أجنبي التعليق على أحكام القضاء المصري المعروف بنزاهته... وسنبحث في إذا ما كان الأمر يستحق تعليقاً رسمياً أم الاكتفاء فقط بلفت انتباهها عبر الطرق الدبلوماسية إلى أن الحكومة المصرية لا تقبل انتقاد أحكام القضاء".
في هذه الأثناء، بدأت هيئة الدفاع عن سعد الدين إبراهيم في الإعداد لاستئناف الحكم الصادر ضده بالحبس لمدة سنتين، ودفع كفالة قدرها 10 آلاف جنيه بعد أن اعتبرته المحكمة ألحق أضراراً بمصالح البلاد.
ووصف إبراهيم الحكم بأنه "معيب"، وصرح من تركيا حيث يشارك في مؤتمر عن الديموقراطية: "على رغم أنني لم أكن أتوقع العدالة فإن الحكم صدمني... القاضي تجاهل تقرير وزارة الخارجية الذي أكد أنه ليس في وسعي تعطيل المعونة الأميركية المقدمة إلى مصر أو حجبها".
وعن احتمالات عودته إلى مصر، قال إبراهيم: "لن أعود الآن. أسرتي ومحامو الدفاع عني نصحوني بعدم العودة حتى لا أقضي سنوات في السجن قبل إثبات براءتي. ولست في وارد تكرار تجربتي السابقة حين قضيت سنوات في السجن ثم برأتني المحكمة ولم يعوضني أحد عن صحتي ولا الضرر الذي ألم بي". وكان إبراهيم يشير إلى الحكم عليه بالسجن سبع سنوات في العام 2001 قبل أن تقضي محكمة النقض في آذار (مارس) 2003 ببراءته من الاتهامات الموجهة إليه.
سكوبي .. المثيرة للجدل
كانت التحركات المكثفة لسكوبي في الفترة الأخيرة قد اثارت جدلا حادا على الساحة السياسية المصرية على خلفية اللقاءات العديدة بالمسئولين المصريين في الحكومة ومستشارين وقيادات الأحزاب من خلال ما أصطلح على تسميته بـ "سياسة التودد" لأحزاب المعارضة.
وبدأت سكوبي ، والتي لم يكد يمر ثلاثة أشهر على توليها المنصب كأول سيدة تشغل سفير واشنطن بالقاهرة خلفًا للسفير السابق فرنسيس ريتشارد دوني، هذه التحركات المثيرة للجدل بزيارة الدكتورة منى القرش عضو الهيئة العليا لحزب الوفد في منزلها منذ اسابيع ثم تبعتها بزيارة حزب التجمع (المعارض) حيث ألتقت برئيس الحزب الدكتور رفعت السعيد والأمين العام سيد عبد العال.
وامتد النشاط المثير للجدل للسفيرة الأمريكية بالقاهرة إلى زيارة قامت بها إلى مدينة العريش الحدودية والتقت بمسؤولين مصريين في مقدمتهم محافظ شمال سيناء وأعلنت استعداد بلادها لتقديم منح مالية وفنية لتمويل مشروعات صغيرة ودعم جمعيات رجال الأعمال بالمحافظة.-
كما عقدت السفيرة الأميركية جلسة مطولة مع رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية المستشار ماهر عبد الواحد، خلال زيارتها مقر المحكمة، حيث ناقشت معه قانون الطفل الجديد الذي أثار عاصفة من الانتقادات باعتباره جاء وفقًا للأجندة الغربية، وأيضًا قانون المحاكم الاقتصادية، وكذلك العلاقات المتوترة بين المجلس الأعلى للهيئات القضائية وزارة العدل من جهة ونادي القضاة من جهة أخرى.
وقامت السفيرة بزيارة مكتبة الإسكندرية وقامت بجولة في بعض قطاعات المكتبة وهى متحف المخطوطات ومتحف الآثار والمعمل الرقمي وقاعة الفيستا ومركز القبة السماوية العلمي وقاعة الاستكشافات الحضارية ومعرض الإسكندرية عبر العصور.
وكعادة السفراء الأمريكيين حرصت سكوبي على زيارة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر في مكتبه بمشيحة الأزهر، وكانت من أولى الزيارات التي قامت بها، وتعهد الشيخ في هذا اللقاء عن الإجابة عن كل استفسارات السفيرة الأمريكية عن الدين الإسلامي الذي يرفض كل أشكال العنف والإرهاب، فضلاً عن أنها قامت بزيارة جامعة القاهرة، والتقت بعدد من أساتذة العلوم السياسية.
كما زارت سكوبي مجلس الشعب المصري "البرلمان"، والتقت مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الدكتور مصطفى الفقي، ودار بينهما حوار حول العديد من القضايا الداخلية والخارجية. ودعت أثناء الزيارة إلى تعميق العلاقات بين مصر والولايات المتحدة من خلال تبادل الزيارات البرلمانية بين أعضاء البرلمان المصري وبين نواب الكونجرس الأمريكي، وشددت على أهمية متابعة الشباب المصري للانتخابات الأمريكية.
والتقت السفيرة الأمريكية بالعديد من الوزراء والمسئولين، وأهمهم الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار، والدكتور أحمد درويش وزير التنمية الإدارية، والدكتورة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي، والدكتور علي مصيلحي وزير التضامن الاجتماعي، وهى الزيارات التي تعتبرها القوى السياسية والوطنية بأنها تدخل في الشئون الداخلية لمصر.
وتعقيبا على تحركات السفيرة الأمريكية، قال الخبير بشؤون العلاقات الدولية بمركز دراسات الأهرام الدكتور سعيد اللاوندي: إن مثل هذه الزيارات تشبه إلى حد كبير زيارات المندوب السامي البريطاني عندما كانت مصر واقعة تحت الاحتلال الإنجليزي، مشيرا إلى أن سكوبي بمثل هذه الزيارات تتجاوز على الأقل حدود وظيفتها كسفيرة لبلادها في القاهرة".
من جانبه، أشار الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام الدكتور جمال عبدالجواد إلى أن زيارات سكوبي وجولاتها في محافظات مصر لم تكن بجديدة حيث سبق لسفير الولايات المتحدة السابق ريتشارد دوني التجول في المحافظات بل زيارة الأضرحة في عدد منها
وأبدى عبد الجواد دهشته من قيام سكوبي بتفقد الحدود المصرية الفلسطينية واتصالاتها بأحزاب المعارضة في البلاد واصفا ما تقوم به السفيرة الجديدة "بالاستفزاز الذي يثير التساؤلات ويدعو في الوقت ذاته للريبة".
ويقول مراقبون مصريون: إن الزيارات المتكررة لسكوبي لعدد من المؤسسات الهامة في الدولة بالإضافة للأحزاب وعدد من القضاة يضع علامات استفهام عديدة، أهمها: هل هذه الزيارات تعد تدخلاً في شئون هذه المؤسسات؟ أم أنها لمجرد التعارف؟.
وانتقد المراقبون صمت الدولة على تلك التحركات، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة دائمًا ما تحاول الظهور بدور الراعي لكل الأمور، ومن ثم يجب إيقاف تلك الزيارات لحين التأكد من أسبابها، وفي حالة تخطيها لدورها كمجرد سفيرة يتم التحقيق معها.
الإثنين أغسطس 04, 2008 6:33 pm